رحلة النبي عليه السلام إلى الطائف
رحلة النبي إلى الطائف
قصة النبي في الطائف كانت الطائف تُمثِّل بُعداً مهماً بالنسبة لسادات قريش وكُبرائها، حيث إنها كانتمكاناً استراتيجياً لهم يملكون فيها بيوتاً يجعلونها كمصايف لما في طبيعة الطائف من جمال، ولتسييرهمقوافل تجارية إليها في الصيف كذلك، فكانت الطائف منتجع استجمامٍ ومكان تجارةٍ لسادات قريشوتجارها، وبعد أن يأس النبي -صلى الله عليه وسلم- من تكوين دولته في مكَّةَ فقد عزم على دعوة أهلالطائف إلى الإسلام، ولتنشأ في مدينتهم الدولة الإسلامية الحديثة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤمّل في الطائف وأهلها خيراً حينها، وقد ظن أن أهلها سيُرحّبون به ويستقبلونه على خلاف ما فعل أهلمكة، فيكونون نصيراً ومُعيناً له في دعوته.
خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة مُتَّجهاً إلى الطائف سيراً على الأقدام، خوفاً من أن تعتقدقريش أنه قد غادر مكة فيتبعونه ويُعطلون عليه ما يصبو إليه، وكان في صحبته زيد بن الحارثة، وكانيحرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويُعينه في سفره، حتى وصل إلى الطائف بأمانٍ وسلامة.
بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوة كبار القوم من أهل الطائف الذين هم أهل الحلِّ والعقد فيهاوإليهم يرجع أمرها، فدعاهم إلى الإسلام، وعرض عليهم أن تحتضن الطائف دعوته بدلاً من مكة التيرفضه أهلها وعذبوه وأصحابه، فكان ردُّ أسياد الطائف على النبي قاسياً، فبعد أن طردوه منها أغروا بهسفهاءهم وصبيانهم، فتبعوه بالحجارة وسبوه ووصفوه بالجنون، حتى إنه صلى الله عليه وسلم أُصيببقدميه الشريفتين من أثر حجارة صبيان الطائف، وسالت منها الدماء، فزاد همُّ النبي -صلى الله عليهوسلم- وأصابه الحزن.
قصة النبي مع عداس
بعد أن لحق صبيان ومجانين الطائف بالنبي يرمونه بالحجارة ويشتمونه لجأ إلى بستانٍ يعود لرجلَينمن سادات الطائف هما عتبة وشيبة ابنا ربيعة، ويقع ذلك البستان على بعد ثلاثة أميال من الطائف،ومن هذا البستان الصغير جاءت النُّصرة والبشارة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أرسل صاحباالبستان له بغلامٍ نصراني يُدعى عداس، يحمل قطفاً من العنب ليروي به ضمأ ضيفهما الغريب، بعد أنحمياه من صبيان ومجانين الطائف، وأقعداه في ظل شجرة ليستريح.
وقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دعا ربه بعد أن زاد همُّه قائلاً: (اللَّهمَّ إليكَ أشكو ضَعفَقوَّتي، وقلَّةَ حيلَتي، وَهَواني علَى النَّاسِ، أنتَ أرحمُ الرَّاحمينَ، أنتَ ربُّ المستضعفينَ، وأنتَ ربِّي، إلى منتَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجَهَّمُني أَمْ إلى عدُوٍّ ملَّكتَهُ أمري، إن لم يَكُن بِكَ غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَهيَ أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الَّذي أشرَقت لهُ الظُّلماتُ، وصلُحَ علَيهِ أمرُ الدُّنيا والآخرةِ، أن يحلَّ عليَّغضبُكَ، أو أن ينزلَ بي سخطُكَ، لَكَ العُتبى حتَّى تَرضى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بِكَ).
فلما وضع عداس العنب بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، مدَّ يده إليه وقال: (بسم الله) ثم أكل،فقال عداس: إن هذا الكلام لا يصدر عن أهل هذه القرى، فقال صلى الله عليه وسلم: (من أي البلاد أنتوما دينك؟) فقال عداس: أنا نصراني من مدينة نينوى، فقال صلى الله عليه وسلم: (من قرية الرجلالصالح يونس بن متى؟) فقال عداس: ومن أين عرفت يونس بن متى؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ذاكأخي كان نبياً وأنا نبي) فهوى عداس إلى قدمي النبي -صلى الله عليه وسلم- ورأسه فقبلهما، ثم آمنبما جاء به.
عظات ولطائف من رحلة الطائف :
تزخر رحلة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف بالعظات والمواقف التي ينبغي الوقوف عليها مليّاً،فالمتمعّن في تلك الحادثة وما أعقبها من حوادث في الدولة الإسلاميّة تتجلى له أهمية تلك الرحلة وأثرهاعلى المدى البعيد على مسار الدولة الإسلاميّة ككل، ومن أبرز ما يمكن أن يُستفاد من هذه الرحلة مايلي:
يُعتبر توجُّه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف بعد أن رفض كفار قريش الإيمان بدعوتهوالتصديق بها دليلاً على حرصه على الدعوة وإصراره على هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلىالنور، وأنه لم ييأس من موقف قومه المُعادي لدعوته، لا بل أنه سعى لإيجاد مأوى تنشأ فيه الدولة وتنموحتى يبلغ غايته.
يتَّضح في هذه الرحلة عظيم الخُلُق النبوي في الصفح والعفو عن المسيئين له، حيث عفا النبي -صلىالله عليه وسلم- عن سادات الطائف رغم طردهم له، وتسخير صبيانهم لسبه وضربه
. في وقت الشدائد لا يكون الالتجاء إلا لله سبحانه وتعالى، وقد ظهر ذلك جلياً في دعوة النبي -صلىالله عليه وسلم- لربه أن يكشف عنه ما يجد من كرب، بعد ما تعرض له من الصدِّ والتكذيب والشتموالإساءة.
يمكن أن تكون النتائج لإيجابية في النهايات، ولا يجب الاستعجال في طلبها، فقد عاد النبي من الطائفمطروداً، لكنه مع ذلك لم ينثنِ عن الدعوة فقد دعا عداس إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولقينتيجة دعوته، وعاد بعداس مسلماً.
لا بدَّ لمن يقوم بالدعوة أن يتعرض لشيءٍ من الطرد والتكذيب والتشويه والشتم والإهانة، حيث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تعرض لذلك وهو أشرف الخلق وأطهرهم وأصدقهم، لذلك ينبغي للداعي أن لاييأس أو يقنط إن أصابه شيءٌ من ذلك بل يجب عليه أن يُصرَّ على دعوته اقتداءً بالنبي.
تمارين :
1- ماذا تشكل الطائف بالنسبه لقريش ؟
2- من هو زيد بن حارثة ؟
3- اذكر مواعظ من رحلة الطائف.
4- من الذي أحضر قطف العنب للنبي محمد عليه السلام وماذا كانت ديانته !